تحقيق استقصائي يكشف تجارة الوهم ومنظومة الشعوذة الرقمية في الأردن: أسبوع سجن و5 دنانير غرامة - فيديو
رؤيا الأخباري -
  • "اطلب سحرك أونلاين": تحقيق استقصائي لـ "نبض البلد" يكشف شبكة شعوذة رقمية تستغل الأردنيين

كشف تحقيق استقصائي أجراه برنامج "نبض البلد" على قناة "رؤيا" عن منظومة احتيال منظمة تتخفى وراء ستار "الروحانيات" و"السحر"، وتدار بشكل شبه كامل عبر منصات التواصل الاجتماعي في الأردن.

التحقيق، الذي انطلق من مجرد تعليق على الإنترنت، غاص في عالم الوعود الكاذبة، موثقاً بالصوت والصورة كيف يحول "تجار الوهم" حاجة الناس وضعفهم إلى مشروع تجاري متقن، مستغلين ثغرات قانونية وهشاشة نفسية لبيع "الوهم" بأسعار محددة وبخدمة توصيل مموهة.

منشورات لامعة تخفي شباك الاحتيال

بدأ كل شيء بمنشورات متكررة على "السوشيال ميديا" تحمل وعوداً براقة مثل "جلب الحبيب خلال 24 ساعة"، "حل العقد وفك السحر"، و"الطاعة العمياء".

قادت هذه المنشورات فريق التحقيق إلى تحديد قائمة أولية تضم عشرين شخصاً يقدمون أنفسهم كـ"شيوخ روحانيين". وبخطة محكمة، تواصل الفريق معهم، مسجلاً المكالمات ومرتباً لقاءات تمويهية كزبائن حقيقيين، لكشف آليات عمل هذه الشبكة.

"كتيّب عمليات" غير مكتوب.. ونمط عمل موحد

أظهر التحقيق أن ما يجري ليس ممارسات فردية عشوائية، بل منظومة تتبع "كتيب عمليات غير مكتوب" لكنه متقن التنفيذ لدى الجميع:

الاستدراج الرقمي: استخدام منصات التواصل الاجتماعي لعرض "الخدمات" وجذب الضحايا.

جمع البيانات: طلب معلومات شخصية دقيقة (الاسم الكامل، اسم الأم، تاريخ الميلاد).

الطقوس السرية: تنفيذ طقوس مزعومة في أوقات محددة (غالباً بعد منتصف الليل).

التسليم المحكم: تسليم "العمل" (حجاب، بخور، إلخ) بسرية، إما باليد، أو عبر خدمة توصيل مموهة، أو حتى بدفنه في المقابر أو إعطائه للضحية ليشربه.

التسعير الواضح: تحديد أسعار ثابتة لكل "خدمة" مع وعود بنتائج مضمونة وسريعة.

نماذج من "تجارة الوهم".. الأسعار والوعود

وثق التحقيق نماذج صارخة لهذا الاحتيال المنظم:

"الطاعة العمياء" بـ 180 ديناراً: شخص رفض الكشف عن اسمه، تفاخر بقدرته على "تحويل البشر لخواتم بالأصابع"، وعرض تحقيق "الطاعة العمياء" خلال 24 ساعة فقط باستخدام "بخور" خاص مقابل 180 ديناراً.

طقوس "أم يحيى" الليلية بـ 80 ديناراً: اشترطت الحصول على بيانات شخصية كاملة، وحددت 80 ديناراً ثمناً لطقوس تنفذ حصراً بين الواحدة والرابعة فجراً، مع خطط بديلة للتسليم تشمل الدفن أو الشرب أو التوصيل السري.

"فك السحر" في إربد بـ 20 ديناراً: "أبو معتصم" (اسم وهمي) طلب الحضور مع "محرم"، وحدد 20 ديناراً لجلسة تتراوح بين ساعتين وأربع ساعات، واعداً بكشف "كل شيء".


في تعليقهم لـ برنامج نبض البلد عبر "قناة رؤيا" على نتائج التحقيق، حلل الخبراء أبعاد هذه الظاهرة المتنامية:

1. البُعد الديني والعقائدي: "أغلبهم كاذبون"

أوضح الدكتور محمد صبحي العايدي (الباحث في الفكر الإسلامي)، أن هذه الأساليب هي "نصب واحتيال"، وأن "الساحر الشاطر هو من يستطيع إدخال الضحايا إلى دائرة الوهم".

وأكد العايدي أن "أغلب السحرة كاذبون ولا يستطيعون فعل شيء"، مشيراً إلى أن السحر الحقيقي "قذر" ويشترط "الكفر والشرك بالله"، بينما ما نراه هو مجرد "كذب وافتراء" كعرض ورقة طلاسم (شاهدها في الاستوديو) دفع الـمُعدّون تكلفتها للمشعوذ (80 ديناراً).

وأشار إلى أن المشكلة تكمن في الضحايا "ضعاف النفوس" الذين لديهم "ضعف في التوكل على الله".

2. البُعد الجنائي والقانوني: "تجارة بـ 178 مليار دولار"

الدكتور عمار القضاة (عضو مجلس الأعيان والخبير الأمني)، وصفها بأنها "ظاهرة منتشرة انتشاراً فاحشاً" و "شرك بالله". وكشف أن 95% من الضحايا هم من الفتيات، مستشهداً بقضية 5 سيدات متزوجات من المجتمعات الراقية جداً تعرضن للاحتيال بمئات الآلاف (إحداهن دفعت 70 ألف دينار)، ورفضن تقديم شكوى خوفاً من "الفضيحة". كما أشار إلى قضايا تحولت إلى "هتك عرض واغتصاب"، وقضية (زوجة وضعت محلولاً لزوجها فمات بعد فترة وجيزة إثر إصابته بمرض السرطان) ولم تتقدم بشكوى.

قانونياً، انتقد د. القضاة ضعف الردع في المادة 471 من قانون العقوبات، المتعلقة بـ "مناجاة الأرواح أو التنجيم أو الاتصال مع العالم السفلي وقراءة الكف"، والعقوبة هي (حبس أسبوع وغرامة خمسة دنانير)، مطالباً بتشديد العقوبات في قانون الجرائم الإلكترونية، خاصة أن "تجارة الشعوذة" عالمياً تصل إلى 178 مليار دولار سنوياً.

3. البُعد النفسي والاجتماعي: "الحل السحري"

الدكتورة شروق أبو حمور (الأخصائية الاجتماعية)، أوضحت لـ "رؤيا" أننا أمام طرفين: المشعوذون (متمكنون نفسياً ويلعبون على وتر تحقيق الأحلام السريعة)، والضحايا (لديهم قدرات عاطفية محدودة، وثقة متدنية بالنفس، ومشاكل أسرية تجعلهم بحاجة إلى "حل سحري"). وأكدت أن الضحايا (خاصة السيدات) لا يشتكين إذا تعرضن للاحتيال أو الابتزاز لأنها تعتبر "فضيحة اجتماعية".

وأضافت أبو حمور أن الدجل والشعوذة أصبح يعتمد على الكثير من الأشكال الإلكترونية؛ فإلى جانب الإعلانات عبر منصات التواصل الاجتماعي لجذب الضحايا، أصبح هناك من يخرج في فيديوهات مباشرة عبر تطبيقات لإتمام أعمال الشعوذة بمقابل يحصل عليه إلكترونياً كالتحويلات أو الإعطيات.

القانون في وادٍ.. والشعوذة الرقمية في وادٍ آخر

رغم أن قانون العقوبات الأردني يجرم التعاطي بقصد الربح لأعمال التنجيم وادعاءات الغيب (بعقوبات تصل للحبس 6 أشهر)، إلا أن هذا النص طالته انتقادات قديمة بضعف الردع. واليوم، يتفاقم التحدي مع انتقال هذه الجرائم للفضاء الرقمي.

وأكدت وحدة مكافحة الجرائم الإلكترونية في الأمن العام تصاعد أنماط احتيال جديدة تشمل "الشعوذة الرقمية"، محذرة من حسابات ومنصات تستدرج الجمهور بحلول سريعة للمشكلات، وهو ما يتقاطع تماماً مع عروض "النتيجة خلال 24 ساعة" التي وثقها التحقيق. ومع غياب إحصاءات حكومية دقيقة لضحايا الشعوذة الرقمية تحديداً، يصبح التوثيق الميداني والشهادات المسجلة عناصر حاسمة لفهم حجم الظاهرة.

تحويل الحاجة الإنسانية إلى "صفقة تجارية"

يخلص التحقيق إلى أن ما يجري ليس مجرد دجل تقليدي، بل منظومة تجارية تحول الحاجة الإنسانية والضعف النفسي إلى "صفقة" بمفردات واضحة: "سعر"، "جدول زمني"، و"خيار تسليم آمن". إنها جريمة تستغل ثغرات القانون وتزدهر في الهامش بين الإيمان الشعبي والاقتصاد الأسود.

ما لم تُغلق نوافذ الاستغلال الرقمي هذه، ويُشدد تطبيق القانون بشكل رادع يتناسب مع حجم الضرر المالي والنفسي والاجتماعي، سيبقى "الوهم أسرع انتشاراً من التحذير"، وستبقى الشعوذة الرقمية مادة قابلة للتسعير، تستنزف جيوب الضحايا وتعبث بحياتهم.
تحليل الخبراء: من الوهم إلى الاحتيال والجريمة



إقرأ المزيد